قصة وفاة سيدنا رسول الله عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد القهار، والصلاة والسلام على سيدي المختار، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار.

وبعد،

فهذه قصة آخر أيام عاشها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أذكرها لكم عسى أن ينفعنا الله بتذكر سيرة نبينا عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.

ابتدأ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استقباله للموت بالاستغفار لأهل القبور، وذلك في مرضه الّذي مات فيه، فعن أبي مويهبة مولى رسول الله عليه السلام قال: «بعثني رسول الله عليه السلام من جوف الليل، فقال لي: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيِعِ، فانْطَلِقْ مَعِيَ» فانطلقت معه، فلمّا وقف بين أظهرهم، قال: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمْ اللهُ مِنْهُ، أَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ أَوَّلَهَا آخِرُهَا الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنْ الْأُولَى» ثمّ أقبل عليّ فقال: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا والْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ، وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي عز وجل والْجَنَّةِ» ، فقلت: بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدّنيا والخلد فيها ثمّ الجنّة. فقال عليه السلام : «لاَ واللهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، لَقَدْ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي عز وجل والْجَنَّةَ» ، ثمّ استغفر لأهل البقيع، ثمّ انصرف فبُدئ رسول الله عليه السلام بوجعه الّذي قُبض فيه (1) .

ولما اشتدّ به الوجع عليه السلام قال للفضل وهو معصوب الرأس من شدّة الألم: «خُذْ بِيَدِي يَا فَضْلُ» فأخذ الفضل بيده حتّى جلس على المنبر ثمّ قال للفضل: «نَادِ فِي النَّاسِ» ، فاجتمعوا إليه، فحمد الله وصلّى على أصحاب أحد، واستغفرَ لهم، وأكثر الصّلاة عليهم، ثمّ قال: «أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللهَ الّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، وَإِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْراً فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضاً فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، أَلاَ وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبْعِي وَلاَ مِنْ شَأْنِي، أَلاَ وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ مِنِّي حَقَّاً إِنْ كَانَ لَهُ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللهَ وَأَنَا أَطْيَبُ النَّفْسِ، وَقَدْ أَرَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُغْنٍ عَنِّي حَتَّى أَقُومَ مِرَاراً» ثمّ نزل عليه السلام فصلّى الظهر، ثمّ رجع فجلس على المنبر، فعاد لمقالته الأولى في الشّحناء وغيرها، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إنّ لي عندك ثلاثة دراهم. فقال عليه السلام : «أَمَا إِنَّا لاَ نُكَذِّبُ قَائِلاً وَلاَ نَسْتَحْلِفُهُ عَلَى يَمِينٍ، فَلِمَ صَارَتْ لَكَ عِنْدِي؟» قال الرّجل: تذكر يوم مر بك السّائل فأمرتَني فدفعتُ إليه ثلاثة دراهم (2) . فقال عليه السلام: «أَعْطِهِ يَا فَضْلُ» ثمّ قال عليه السلام : «أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كَاَنَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيُؤَدِّهِ، وَلاَ يَقُلْ فَضُوحُ الدُّنْيَا، أَلاَ وَإِنَّ فَضُوحَ الدُّنيا أَيْسَرُ مِنْ فَضُوحِ الْآخِرَةِ» فقام رجل فقال: يا رسول الله، عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله. فقال عليه السلام : «وَلِمَ غَلَلْتَهَا؟ » فقال الرّجل: كنتُ إليها محتاجاً. فقال عليه السلام: «خُذْهَا مِنْهُ يَا فَضْلُ» ثمّ قال عليه السلام : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ خَشِيَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً فَلْيَقُمْ أَدْعُ لَهُ» ، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إني لكذاب، إني لفاحش، وإني لنؤوم. فقال عليه السلام : «اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ صِدْقاً وَإِيمَاناً، وَأَذْهِبْ عَنْهُ النَّوْمَ إِذَا أَرَادَ» ثمّ قام رجل فقال: والله يا رسول الله إني لكذّاب، وإني لمنافق وما من شيء إلا جنيته.

فقام عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال: فضحت نفسك أيّها الرّجل. فقال النّبي عليه السلام : «يَا بْنَ الْخَطَّابِ، فَضُوحَ الدُّنيا أَهْوَنُ مِنْ فَضُوحِ الْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ صِدْقاً وَإِيمَاناً، وَصَيِّرْ أَمْرَهُ إِلَى خَيْرٍ» . فقال عمر كلمة، فضحك رسول الله عليه السلام ثمّ قال: «عُمَرُ مَعِيَ وَأَنَا مَعَ عُمَرَ، والْحَقُّ بَعْدِي مَعَ عُمَرَ حَيْثُ كَانَ» (3) .

وأوصى عليه السلام بالأنصار خيراً فقال: «أَمَّا بَعْدُ، يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، إِنَّكُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمْ تَزِيدُونَ، وَأَصْبَحَتِ الْأَنْصَارُ لاَ تَزِيدُ، عَلَى هَيْئَتِهَا الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ، والْأَنْصَارُ عَيْبَتِي الَّتِي أَوَيْتُ إِلَيْهَا، فَأَكْرِمُوا كَرِيمَهُمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» (4) .

وجاء في البخاري: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّ الْأَنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ شَيْئاً يَضُرُّ فِيهِ قَوْماً وَيَنْفَعُ فِيهِ آخَرِينَ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ» .

ثمّ قال عليه السلام: «أَلاَ إِنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللهِ قَدْ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللهِ، فاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ» ، فبكى أبو بكر ثمّ قال: فديناك بأنفسنا وبآبائنا وأمهاتنا وأبنائنا يا رسول الله.

فتعجّب النّاس من فعل أبي بكر وقوله، وقال بعضهم: انظروا إلى هذا الشّيخ، يخبر رسول الله عن عبد يُخير، ويقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا.

فقال الرّسول عليه السلام رادّاً على أبي بكر: «عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، سُدُّوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ الشَّوَارِعَ إِلَى الْمَسْجِدِ إلاّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ امْرَأً أَفْضَلَ عِنْدِي يَداً فِي الصُّحْبَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. يَا أَبَا بَكْرٍ، لاَ تَبْكِ. إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ. لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاّ سُدَّ، إِلاّ بَابُ أَبِي بَكْرٍ» (5) .

وكَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي (6) مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ» (7) .

ذلك أن الرسول عليه السلام سُمَّ من قبل يهوديّة، فقد روى أبو داود عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ عليه السلام يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً سَمَّتْهَا فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ عليه السلام مِنْهَا وَأَكَلَ الْقَوْمُ فَقَالَ: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ» فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الْأَنْصَارِيُّ ( . فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ عليه السلام إِلَى الْيَهُودِيَّةِ: «مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ؟ » قَالَتْ: إِنْ كُنْتَ نَبِيّاً لَمْ يَضُرَّكَ الَّذِي صَنَعْتُ وَإِنْ كُنْتَ مَلِكاً أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْكَ. فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ  فَقُتِلَتْ. ثُمَّ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «مَا زِِلْتُ أَجِدُ مِنْ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي» (9) .

ودخلت عليه عليه السلام في مرضه الذي توفّي فيه أم مبشر، وكان ولدها قد قتل بنفس السّم، فقد روى أحمد في مسنده عن كعب بن مالك عن أمه أَنَّ أُمَّ مُبَشِّرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ عليه السلام فِي وَجَعِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَقَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَتَّهِمُ بِنَفْسِكَ فَإِنِّي لاَ أَتَّهِمُ إلاّ الطَّعَامَ الَّذِي أَكَلَ مَعَكَ بِخَيْبَرَ. وَكَانَ ابْنُهَا مَاتَ قَبْلَ النَّبِيِّ عليه السلام . فقَالَ عليه السلام: «وَأَنَا لاَ أَتَّهِمُ غَيْرَهُ، هَذَا أَوَانُ قَطْعِ أَبْهَرِي» .

وقالت أم المؤمنين عائشة عليها السلام: رأيت رسول الله عليه السلام وهو يموت وعنده قدح فيه ماء، فيدخل يده في القدح ثمّ يمسح وجهه بالماء ثمّ يقول «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٌ، اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ» ثمّ نصب إصبعه وجعل يقول: «بَلْ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى، بَلْ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى» ثمّ أشخص بصره بسقف البيت وقال: «اللّهُمَّ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى» فقُبض ومالت يده في الماء (10).

والله تعالى أعلى وأعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل
______
الحواشي:
1 ) رواه أحمد، والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، والدارمي في المقدمة.
2) هذا من شدة كرمه بأبي هو وأمي عليه السلام ، فقد كان عليه السلام لا يرد سائلاً، وإن لم يجد ما يعطيه يقول: اقترضوا واجعلوه ديناً علينا، فهو كالريح المرسلة عليه السلام.
3) رواه البيهقي في السنن الكبرى، ورواه الطبراني في الأوسط.
4 ) رواه الحاكم في المستدرك، وأحمد في مسنده، والطبراني في الكبير.
5) رواه البخاري في صحيحه كتاب الصلاة، ومسلم في صحيحه فضائل الصحابة، والترمذي في سننه كتاب المناقب، وابن ماجه في سننه، المقدمة، وأحمد في مسنده.
6) الأبْهَرُ عِرْقٌ في الظهر، وهما أبْهَرَانِ. وقيل هو عرقُ مُسْتَبْطِنُ القلب فإذا انقطع لم تبق معه حياة. وقيل الأبْهَرُ عرق منشؤه الرأس ويمتد إلى القدم.
7) رواه البخاري.
استحيى الصحابي أن يقذف ما في فمه أمام رسول الله عليه السلام تأدباً فمات رضي الله عنه .
9) رواه أبو داود في سننه: كتاب الديات، والدارمي في سننه، المقدمة.
10) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، ولأحمد والبخاري زيادة: بل الرفيق الأعلى.

والله مشكور ربنا يرحمو ويرحمنا
ويسكنا الجنه مع نبينا الحبيب (ص)

مشكور على المعلومات

» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُدركه الفجر ....
» محمد نبينا ....... صلى الله عليك وسلم .... يا حبيبي يا رسول الله
» يا حبيبي يا رسول الله:::: ارجو الدخول وبشده
» من قصص النمل مع النبى سليمان عليه السلام
» إهتزاز جبل أحد للنبي صلى الله عليه وسلم