في اول يوم من حياتي الجامعيه بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، دخلت قاعة المحاضرات وبدأت
الاطلاع في أول كتاب سأدرسه.. كان مرعباً بالنسبة لي فعدد صفحاته حوالي 600 صفحة كانت كفيلة باثارة ضيقي
واحساسي بالنفور منه، وأخذت أحدث نفسي: ماالذي أدخلني الجامعه؟؟
ألم يكن من الأفضل لو أني جلست في البيت وتعلمت الخياطة أو أي شئ اخر يفيدني بدلاً من هذا الهم؟؟
والكارثه ان الكتاب الثاني كانت عدد صفحاته 750 صفحة، وهنا فكرت جدياً في الذهاب للبيت وعدم العودة للجامعة
مرة اخرى مهما كانت الظروف...
أثناء ذلك دخلت الاستاذة، عفواً، الدكتورة، وبدأت تتكلم بهدوء وكان كلامها حلواً وشيقاً، والأحلى طريقة تعاملها
التي كانت أفضل من زملائها الاخرين، وفي نهاية حديثها أعطتنا بريدها الالكتروني ورقم هاتف مكتبها، ثم فاجأتنا
بهذا السؤال.. احد عارف عني شئ؟!
كان بالقاعة حوالي 200 طالبة اغلبهن اجبن: لااا، فقالت بهدوء: انا فاقدة البصر، يعني عمياء، وهنا لف القاعة صمت
رهيب، وقليلاً بدأت أحس أن دقات قلبي توقفت من شدة الصدمة، وكأني أخذت أصيح بداخلي ( ما تشوف، ماتشوف)،
ولكن سريعاً ما استعدت توزاني وسألت البنات حولي لاتأكد فقد تكون إحداهن لديها المعلومة، ولكن الدكتورة عادت
للكلام وبدأت تحكي قصتها، وأنا غير مصدقه لوجود دكتولاة عمياء في الجامعة، لأني لأول مره اقابل شخصية كهذه..
قالت الدكتورة: لما كنت في الابتدائي بدأ نظري يضعف، وفي المتوسط ضعف اكثر، زكنت أدخل الاختبار ولازم يكون
في ضوء قوي على الكلام عشان اشوفه، وفي الثانوي اختفلى تماماً...
إلى هنا وتوقفت وانتهت محاضرتها وبدأت الأسئلة تمطر في ذهني..
كيف و كيف؟؟ كيف ذاكرت؟؟ كيف عايشة؟؟ كيف تمشي؟؟... ونزلت من القاعة وانا مهزوزة، وقلبي الضعيف انفجع
بسرعة واتأثر لحالها...
ومع مرور الأيام، وعند كل محاضرة تقول لنا شيئاً عن حياتها، وكان اسمها غريباً، الدكتورة ( وحي لقمان )...
وفي إحدى محاضراتها سألت: يا بنات ايش العضو اللي تقدرون تعيشون من دونه؟؟..
_ في نظري كان سؤالاً غريباً ولكني أخذت أفكر... ايش الشئ الممكن استغنى عنه؟!. ووجدت أن كل عضو مكمل
لثاني ولكن البنات اختلفن في إجاباتهن فمنهن من قالت العين، والتي قالت الرجل، وأثناء تلك الإجابات قالت هي:
مرة رحت شركة للمعاقين، لقيت انه المشلول، واللي مايسمع ومايتكلم له وظيفة اللي مايشوف...
كان الكلام مؤثراً جداً.. كل البنات كن خائفات من سؤالها ولكني تجرأت وأخذت أسألها سؤال ( ورا ) سؤال،،
أريد اكتشاف هذه الشخصية القويه..
سألتها: كيف كنت تذاكرين؟؟ وكيف وصلت لهذه المرحلة؟؟ والمزيد من الاسئله عن دراستها وحياتها الشخصية..
وبدأت حكايتها..!!
قالت الدكتورة: بقلكم يابنات، انه لما انا فقدت بصري وخلصت الثانوي قلت انا مالي وظيفة، فقررت أن أكمل الجامعة،،
وأهلي كانوا يساعدوني.. كانوا يقرولي الدروس ويفهموني، لكن الحمد لله.. الله عوضني بشئ ثاني، إني لما اسمع
الدرس مرة واحدة احفظه صم..!!
( طبعاً كل البنات وبصوت واحد صحن: واااو، وااو )، وواصلت الدكتورة: لما خلصت الجامعة وأنا فاقدة البصر، والوظيفة
الوحيدة اني اوقف احاضر هنا قدامكم، وأصريت إني اكمل الماجستير وأخذته في سنتين بدل اربعة، الين ماصرت
مستشارة قانونية.. ( على فكرة هي تدرسني قانون )..
تصدقون يابنات... قالت الدكتورة وواصلت: أنا لفيت العالم، رحت أمريكا وبريطانيا وأوربا.. ولكن الحمد لله على كل
حاااااااااال....
إحدى البنات ذكرت التلفزيون أثناء حديثها، فالتقطت الدكتورة ذلك وقالت: ماشفتوا المقابله اللي سوتها معايا قناة
العربية؟؟ ( البنات صاحوا وقالوا: ايش، ايش )
فتابعة حديثها: العربية سوت معايه مقابلة لمدة ثلاثة ساعات وصوروا بيتي، وكمان قناة المجد اتصلوا علي، وكلام
نواعم اتصلوا علي، ولكن انا ما يعجبني لأنوا حتى بسرعه يعني كلمتين وخلاص..
وهنا قلت لنفسي (وطلعت مشهورة كمان)..
وفي أخر أيامي بالجامعة وجدت إحدى زميلاتي تقرأ في مجلة وفيها مقابلة مع الدكتورة وبالصور، فقلت للبنت
بصورها ورجعلك إياها، وفعلاً صورتها عشرين نسخة وجلست اوزع على البنات وبدورهن راحوا صوروا أجمل قصة
واقعية أعطتنا الدافع عشان نمشي الدنيا مو الدنيا تمشينا،ونتعلم انوا الفلوس مو كل شي، لأن هذه الدكتورة غنية
ولفت العالم ولكن ايش سوتلها.. هل ارجعت لها الفلوس بصرها.. ؟
أثارتني هذه القصه فاحببت ان تشاركونـــي