تجلس أم أمين (64 عاماً) بارتياح على كرسي بلاستيكي مفروش, وتنظر بعينين حادتين واثقتين إلى بناء في طور الإنشاء,مجاور لنوافذ بيتها الكبير الذي يدل على رخاء العيش,
أبوابه من الخشب المزخرف الثمين وجدرانه تحفل باللوحات والصور العائلية, تعيش أم أمين مع زوجها في هذه الدار الواسعة, وتقيم معها عائلة ابنها الوحيد الذي يعمل موزعاً لمواد غذائية ومنظفات بسيارته (الفان) هي من عائلة ثرية ولعنايتها الكبيرة بوالديها, أحب والدها مكافأتها فمنحها أرضاً ليس لأن لها الحق في أن ترث بل تكريماً لها, إلا أن هذه المكافأة استردت منها لاحقاً بعد زواجها بطلب من والدها وذلك لاعتراض إخوتها على خرقه العادات والتقاليد التي تحكم على المرأة بعدم التوريث.
تقول أم أمين: إنها أرضت الله ووالدها لكنها تأمل أن تنال بناتها الثلاث المتزوجات ما عجزت هي عن تحصيله من حقها في الميراث.
أم أمين واحدة من عشر نساء في مناطق مختلفة لريف دمشق اللواتي يتنازلن عن حقهن في الميراث لإخوتهن ويجتمعن على قول واحد (الله يسامحن ما بدنا منهن شي بس يكونو راضين بين بعضن).
أما أبو سعيد الذي انتفض بقوة على ضرورة إعطاء المرأة حقوقها ليبدأ خطابه المشحون بالغضب على من يحرمها الميراث, يعتبر ذلك خروجاً عن كلام الله تعالى فهو مؤمن كل الإيمان بحقها في الميراث إن كان شرعاً أو قانوناً ومع كلمة (ولكن) انخفضت نبرة صوته ليجد صعوبة في التكلم عن حق بناته في الإرث الذي وزعه على أبنائه فقط دون البنات. مبرراً ذلك بأنه لن يخالف ما مضى عليه أبوه وجده بهذا الخصوص. وإن الأعراف السائدة في مجتمعه هي أقوى من الشرع والقانون على حد علمه. كما أنه راض كل الرضى عن بناته بدعائه لهن (الله يرضى عليهن مازعلوا أخواتن منن).
وأبو سعيد واحد من ستة رجال يؤمنون بحق المرأة شرعاً وقانوناً لكنهم يجدون العادات والتقاليد هي السائدة في ميراث المرأة أما سعاد ابنه الثلاثين المثقفة ترفض مع جارتيها هذا المنطق فتقول أي رضا يتمنونه منا لقد كانت أمي على فراش الموت وأتى إخوتها بأوراق التنازل عن حصتها مبررين لها بقولهم (مابدنا نوقع بمشكلات مع أولادك).
إن حرمان المرأة حقها من الميراث يعود برأي الدكتور بلال عرابي الأستاذ في كلية علم الاجتماع, إلى شعور أهل الريف بالرغبة الكبيرة لحماية الملكية الزراعية ضمن العائلة الواحدة, ولاعتقادهم بأن توريث المرأة سيذهب الأرض إلى عائلة أخرى وبالتالي سيتم تفتيت الحيازات إثر ذلك وهذا يرتبط بشكل أساسي في التركيبة التاريخية الطويلة للمجتمع التي تحيد دور المرأة حيث لا يكون لها دور فاعل في المجتمع وبما أن الأرض هي الركيزة الأساسية لحياة الريفيين فقد اعتبرت المرأة تابعة لزوجها ويجب ألا تورث مع أن ذلك لا يستند لرأي قانوني أو شرعي لأن المرأة في الدين تورث وفي القانون أيضاً تورث, ويؤكد الدكتور أن في كثير من عدم التوريث يظهر في المناطق الريفية وفي الحيازات الزراعية لكنه لا يظهر في المدينة فالعادات والأعراف السائدة في كثير من القرى هي أقوى من القانون. . . . تابع
سعاد واحدة من عشر فتيات متزوجات ترفضن عادات وتقاليد مجتمعهن تجاه المرأة ويعرفن أن حقهن في الحصول على الإرث مشروع وقانوني لكن ما قالته سعاد اختصر عليهن التعبير (بقدر أحصل على حقي بالقانون بس ماني مستعدة لسكن المحاكم وادفع مصاري أكثر من حق الأرض حتى أحصل عليها) فعلى أبواب المحاكم ستقف سعاد هي وغيرها مدة طويلة بسبب الإجراءات المعقدة التي ذكرها المحامي علي عيسى بدءآً من الدعوى التي تحتاج إلى تبليغات تتشعب بعدد الورثة وتأخذ وقتاً طويلاً لا يقل عن ستة أشهر وهي مشكلة بحد ذاتها كما يقول المحامي .فبالرغم من أن القانون المستند بأحكامه على أحكام الشريعة الإسلامية يساوي المرأة والرجل وفق ما أقره الشرع في قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثنين, فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ماترك, وإن كانت واحدة فلها النصف) من سورة النساء, نجد أن الرجل حرم المرأة هذا الحق باستناده إلى العرف السائد في المجتمع وهذا ما تؤكده الحالات العديدة في تنازل المرأة عن ميراثها حين يلجأ الاخوة والأخوات إلى مكاتب المحامين لإبرام عقود يتم بموجبها تنازل الأخوات عن حصصهن الإرثية لإخوتهن مقابل بدل مادي هو على الأغلب صوري.
يعود التمييز بين المرأة والرجل بموضوع الميراث خاصة في المناطق الريفية على رأي خبيرة الجندر الأستاذة ريم الجابي إلى طبيعة المجتمع الخاص بالريف لوجود الحيازات الزراعية والصغيرة التي لا يمكن أن تتجزأ, وتحكم الأب بتوريثها لمن يريد, فقد يمنحها لابنه الكبير دون إخوته أو لمن يعمل في الأرض أكثر من غيره, وليست المشكلة هنا أن الرجل لا يورث المرأة بل اعتادت على أن تكون الأرض لإخوتها لأنها ستتزوج وسيكون لزوجها أرضاً فلماذا تأخذ حصتها, وذكرت الخبيرة أن المرأة في المجتمع الريفي مقتنعة بهذا الوضع وترجع ذلك إلى البيئة الاجتماعية للنساء الريفيات اللواتي يطلبن ضمان المعيشة وليس لهن متطلبات أخرى.
ويعلق الدكتور بلال أن عدم توريث المرأة كما وجدنا يدل على إبعاد المرأة عن ممارسة دورها الحياتي اجتماعياً والإبقاء على دورها التاريخي تابعة للرجل في التصرف بشؤون حياتها ومصيرها, ووجدنا أن التوريث يتبع العرف ولا علاقة له بالقانون المدني أو الشرعي .
أم أمين متفقة مع نفسها لكنها تشعر بثقل السنين التي عانت فيها من إهمال لحقوقها وقد تتفق في الظاهر مع زوجها أنه ليس من حاجة لتوريث البنات ولكن في قرارة نفسها تتمنى أن ينلن حقوقهن من الميراث إلى جانب ابنها الوحيد