لهذا قرر الخليفة عبد الملك بن مروان أن يقيم بناء متميزاً فوق الصخرة المشرفة ليكون أول صرح معماري يقيمه المسلمون في مدينة القدس، وتشير بعض المصادر الإسلامية إلى أن الخليفة قد استعان بأهل الخبرة في مجال البناء، وكلف كلاً من رجاء بن حياة الكندي من مدينة القدس ويزيد بن سلام من بيسان لقيام بهذه المهمة من حيث الإشراف على تنفيذ المخطط الهندسي واعتماد طبيعة الفنون الداخلية، لقد أمر الخليفة أن يرصد خراج مصر طيلة سبع سنوات لاعتماده في حساب المشروع، ولا شك أن الخليفة قد أمر بأن تكون الرعاية الأولى للصخرة المشرفة الواقعة في وسط الحرم الشريف باعتبارها الأكثر قدسية لعلاقتها بصخرة الإسراء والمعراج، فهي صخرة تبرز عن سطح الأرض حوالي متر ونصف المتر، بينما تمتد حوالي 18 متراً طولاً، وتمتد 13 متراً عرضاً، ولهذا كان الهدف الأول هو احتواؤها بشكل هندسي رفيع، ومن خلال دراستنا لمخطط البناء، يتضح لنا أن البناء يمثل صرحاً تذكارياً، يحتوي في وسطه الصخرة المشرفة، وقد تم تنفيذ المشروع على أربع مراحل هندسية هي:
المرحلة الأولى:
رسم دائرة قطرها 20.44 م حول جسم الصخرة البارز فوق سطح الأرض، وتم وضع أربع دعائم على شكل مربع على محيط الدائرة، كما تم وضع ثلاثة أعمدة بين كل دعامة وأخرى، وهكذا يصبح مجموع الأعمادة اثني عشر عموداً وأربع دعائم موزعة بانتظام على محيط الدائرة التي تحيط بالصخرة المشرفة، وتم وصل هذه الأعمدة مع الدعائم بواسطة الأقواس على ارتفاعات واحدة، وبنيت فوق الأقواس حلقة دائرية عريضة تسمى بالعنق أو الإطار ليكون المحيط الذي ترتكز عليه قبتان من الخشب، إحداهما قبة صغيرة داخلية تطل عى الصخرة مباشرة، والأخرى فوق القبة الصغيرة وتطل على ساحة الحرم الشريف، وقد تم فتح 16 نافذة في الإطار الذي يحمل القبة من أجل دخول النور والهواء، وقد ارتفعت القواعد إلى الأعلى حتى تقوم بحمل القبتين.
المرحلة الثانية:
وهي تمثل مجموعة من الدعائم على شكل ثماني يحيط بالقبة المركزية، وقد تم توزيع الدعائم الثماني على زوايا المثمن، كما تم إقامة عمودين بين كل دعامتين، وبهذا يكون مجموع الأعمادة 16 عموداً تم وصلها مع الدعائم بواسطة الأقواس، وقد تم عمل هذه المرحلة الإنشائية لحمل السقف الذي يغطي المسافة بين القبة وبين الجدار الخارجي الذي يمثل المرحلة الثالثة من المخطط الهندسي.
المرحلة الثالثة:
وهي تتكون من ثمانية جدران حجرية، تم تنظيمها على شكل ثماني خارجي يحيط بالمراحل السابقة، ويبلغ طول ضلع الثماني هذا 20.60م وتبلغ سماكة الجدار 1.30م بينما يبلغ ارتفاعه 9.5م وقد تم فتح أربع بوابات رئيسية ومحورية في أربعة جدران متقابلة تواجه الجهات الأربع، بينما تم فتح خمس نوافذ في كل جدار من الجدران الثمانية، وبهذا يكون مجموع النوافذ أربعين نافذة بالإضافة إلى الأبواب الرئيسية الأربعة.
المرحلة الرابعة:
وكانت المرحلة الختامية في مجال الإنشاء المعماري، وهي إقامة السقف الخشبي فوق المساحة الواصلة بين الجدران الخارجية حتى عنق القبة المركزية بحيث يستند على الأعمدة المتوسطة التي تتكون منها المرحلة الثانية، ويتكون السقف من الجسور الضخمة والعوارض الخشبية المسطحة، وبهذا تم تحديد المخطط الأرضي ومجسم البناء المعماري بحيث كانت وظيفة الدعائم والأعمدة والجدران لتحديد أبعاد المخطط وشكله الهندسي، بينما تم اعتماد بناء القبة والأقواس والجدران لتقوم بوظيفة حمل السقف الذي يغطي كافة المساحات حول الصخرة المشرفة بشكل دقيق ومحكم، ولعل هذا الأسلوب يذكرنا بإقامة خيمة أو صيوان بأسلوب هندسي رفيع، لقد تحدد في بناء قبة الصخرة ضبط كافة الأقسام والوحدات والعناصر المعمارية بشكل دقيق جداً، وظهرت لنا جميع النسب الهندسية متماثلة ودقيقة تدل على مهارة هندسية متناهية وذوق هندسي بديع.