خروف متهور كان الجزار يحد سكينه ويجهز كلاليبه منتظراً وصول أول خروف من الزريبة المجاورة للمسلخ في تلك اللحظة كانت الخراف في الزريبة تعيش وتأكل وتشرب وكأنها قد جاءت إلى تلك الزريبة بضمان الخلود دخل الجزار فجأة الى وسط الزريبة فأدركت الخرفان بحسها الفطري أن الموت قادم لامحالة وقع الاختيار على أحد الخراف، وأمسك الجزار بقرنيه يسحبه إلى خارج الزريبة ولكن ذلك الكبش كان فتياً وذا بنية قوية وجسم ممتلئ وقرنين قويين.. وقد شعر برهبة الحدث وهو يُقاد إلى الموت فتجاهل الوصية رقم واحد من دستور القطيع -وهي بالمناسبة الوصية الوحيدة في ذلك الدستور- وكان قد سمع تلك الوصية قبل ساعات من كبار الخرفان في الزريبة كانت الوصية تقول: حينما يقع عليك اختيار الجزار فلا تقاوم فهذا لن ينفعك بل سيغضب منك الجزار ويُعرِّض حياتك وحياة أفراد القطيع للخطر قال هذا الكبش في نفسه: هذه وصية باطلة ودستور غبي؛ فإذا كانت مقاومتي لن تنفعني في هذا الموقف؛ فلا أعتقد أنها ستضرني انتفض ذلك الكبش انتفاظة الأسد الهصور.. وفاجأ الجزار واستطاع أن يهرب من بين يديه ليدخل في وسط القطيع؛ فنجح في الإفلات من الموت الذي كان ينتظره لم يكترث الجزار بما حدث كثيراً؛ فالزريبة مكتظة بالخراف أمسك الجزار بخروف آخر وجرَّه من رجليه وخرج به من الزريبة كان الخروف الأخير مسالماً مستسلماً ولم يُبْدِ أية مقاومة إلا صوتاً خافتا يودع فيه بقية القطيع وهكذا بقيت الخراف في الزريبة تنتظر الموت واحداً بعد الآخر.. وفي كل مرة يأتي الجزار ليأخذ أحدهم لا تنسى بقية الخراف أن توصيه بالموت على دستور القطيع: لا ثم لا للمقاومة في مساء ذلك اليوم وبعد أن تعب الجزار وذهب لأخذ قسط من الراحة ليكمل في الصباح ما بدأه ذلك اليوم.. كان الكبش الشاب قد فكر في طريقة للخروج من زريبة الموت وإخراج بقية القطيع معه كانت الخراف تنظر إلى الخروف الشاب وهو ينطح سياج الزريبة الخشبي مندهشة من جرأته وتهوره لم يكن ذلك الحاجز الخشبي قوياً؛ فقد كان الجزار يعلم أن خرافه أجبن من أن تحاول الهرب وجد الخروف الشاب نفسه خارج الزريبة.. لم يصدق عينيه.. صاح في رفاقه داخل الزريبة للخروج والهرب معه قبل أن يطلع الصباح لكن كانت المفاجأة أنه لم يخرج أحد من القطيع، بل كانوا جميعاً يشتمون ذلك الكبش ويلعنونه ويرتعدون خوفاً من أن يكتشف الجزار ما حدث وقف ذلك الكبش الشجاع ينظر إلى القطيع في انتظار قرارهم الأخير تحدث أفراد القطيع مع بعضهم في شأن ما اقترحه عليهم ذلك الكبش من الخروج من الزريبة والنجاة بأنفسهم من سكين الجزار.. وجاء القرار النهائي بالإجماع مخيباً ومفاجئاً للكبش الشجاع في صباح اليوم التالي جاء الجزار إلى الزريبة ليكمل عمله؛ فكانت المفاجأة مذهلة.. سياج الزريبة مكسور.. ولكن القطيع موجود داخل الزريبة ولم يهرب منه أحد ثم كانت المفاجأة الثانية حينما رأى في وسط الزريبة خروفاً ميتاً.. وكان جسده مثخناً بالجراح وكأنه تعرض للنطح نظر إليه ليعرف حقيقة ما حدث.. صاح الجزار: يا الله.. إنه ذلك الكبش القوي الذي هرب مني يوم أمس نظرت الخراف إلى الجزار بعيون الأمل ونظرات الاعتزاز والفخر بما فعلته مع ذلك الخروف (الإرهابي) الذي حاول أن يفسد علاقة الجزار بالقطيع ويعرض حياتهم للخطر كانت سعادة الجزار أكبر من أن توصف.. حتى إنه صار يحدث القطيع بكلمات الإعجاب والثناء: أيها القطيع.. كم أفتخر بكم وكم يزيد احترامي لكم في كل مرة أتعامل معكم أيها الخراف الجميلة.. لدي خبر سعيد سيسركم جميعاً.. وذلك تقديراً مني لتعاونكم منقطع النظير.. أنا وبداية من هذا الصباح لن أُقْدِم على سحب أي واحد منكم إلى المسلخ بالقوة كما كنت أفعل من قبل.. فقد اكتشفتُ أنني كنت قاسياً عليكم، وأن ذلك يجرح كرامتكم.. كل ما عليكم أن تفعلونه يا خرافي الأعزاء أن تنظروا إلى تلك السكين المعلقة على باب المسلخ.. فإذا لم تروها معلقة فهذا يعني أنني أنتظركم داخل المسلخ.. فليأت واحد بعد الآخر.. وتجنبوا التزاحم على أبواب المسلخ.. وفي الختام لا أنسى أن أشيد بدستوركم العظيم: لا.. للمقاومة