ولاحظت أن لأحدهم ضفائر شعر كالفتيات، ومباشرة قال لي الجندي : قف جانباً، ففعلت، وبدأ الجنود يدخلون إلى المنزل الواحد تلو الآخر، وكانت معهم مصابيح أضواء بعضها أحمر باهت، مركبة على السلاح من الأعلى، وفور دخولهم إلى المنزل قاموا بتفتيش الجزء الغربي منه، واستغرق تفتيش هذا الجزء حوالي نصف ساعة، ثم انتقلوا إلى الجزء الشرقي منه، وكنت أصحبهم لفتح أبواب الخزانات، وبعد أن انتهت عملية التفتيش التي استمرت حوالي ساعة، طلب مني أحد الجنود أن أخرج وأنادي على جاري "أحمد محمد أسعد"، وبالفعل ناديت عليه واستجاب لندائي، عندها طلب الجندي منه أن يحضر النساء إلى منزلي، وبعد أن أخلى جاري منزله دخل الجنود إليه وقاموا بإحداث فتحة في السور الشرقي لمنزله ليصل الجنود إلى منزل "فتحي صالح شلبي" ودخل الجنود إلى منزل فتحي، حيث كان يوجد به ابني "عبد الكريم يوسف محمد السعدي" وعمره 27 سنة، وقد توجه ابني إلى منزل فتحي خوفاً من القصف، وقام الجنود بإخراج عائلة فتحي من المنزل، وكان ابني عبد الكريم يحمل بين يديه طفلاً صغيراً عمره سنتين، هو ابن "وضاح فتحي صالح شلبي" وعمره 40 عاماً، وطلب الجنود من هذه العائلة أن تحضر إلى بيتي عبر الشارع الرئيسي، وكان منزلي ممتلئاً بالجنود، واستجابت عائلة فتحي لطلب الجنود وأثناء سيرهم في الشارع أدخل الجنود النساء والفتيات والأطفال إلى منزلي، وأبقوا الشباب في الخارج، وفي هذه اللحظة كنت على باب منزلي وعندما دخلت نساء عائلة فتحي إلى المنزل بدأ إطلاق نار كثيف، عندها رأيت الجنود الموجودين داخل منزلي ينبطحون أرضاً، واستمر صوت إطلاق النار حوالي 30 ثانية، بعدها دخل الجنود الذين كانوا في الخارج إلى منزلي مرة أخرى، وأخرج بعضهم قطعاً من الشوكولاتة ووزعوها على الأطفال الصغار وهم يضحكون بأعلى صوتهم، ثم قال لي أحد الجنود : >كونوا جيدين معنا ونحن نكون جيدين معكم<. ولم أكن أعلم حتى هذه الساعة مصير ابني وأبناء عائلة فتحي. ثم أدخل الجنود إلى منزلي، جاري أحمد محمد الذي كان مع الجنود في منزله وفور دخوله سألني : >ماذا سنفعل في الذين قتلوا< ؟ فقلت له : >من قتل< ؟ عندها صرخ الجـندي علـينا : "شيـكت" أي أسكت. وعـدت وسألت أحمد : >من الـذي قتل< ؟ فقال لي : >فتحي صالح وامرأته عائشة (60 سنة) وابنته<، دون أن يذكر لي أن ابني عبد الكريم معهم، وعندها عاد الجندي وصرخ فينا بالعبرية طالباً منا السكوت، ثم قام الجنود بإدخالنا إلى إحدى غرف المنزل وأغلقوا علينا الباب وربطوه بالأسلاك وأغلقوا نوافذ الغرفة، أما النساء فقد وضعن في غرفة أخرى وأغلقت عليهن الباب والشباك. ومكثنا داخل هذه الغرف حوالي ساعة ونصف، وخلال هذه المدة، لم أسمع صوت الجنود خارج الغرف، فقمت بفتح الباب بهدوء شديد، وخرجت فلم أر أي أثر لهم، فتوجهت فوراً إلى باب المنزل الشرقي ووجدته مقفلاً من الداخل، ثم توجهت إلى مدخل المنزل الغربي ووجدته مفتوحاً، فعدت وفتحت الباب المغلق على النساء والبنات، ثم أردت الخروج من الباب الشرقي للتعرف على الذين استشهدوا، فتحت الباب الشرقي وخرجت، وعلى بعد متر واحد من الباب رأيت ثلاث جثث ملقاة على الأرض، وعندما نظرت إلى وجوهم تعرفت على ابني عبد الكريم وعلى وضاح فتحي، أما الجثة الثالثة فلم أتعرف عليها بسبب الظلام، لأن الكهرباء كانت مقطوعة، ورأيت آثار رصاصات كثيرة في رقبة ورأس ابني عبد الكريم، وكذا الشخصين الآخرين، ثم عدت إلى المنزل وأحضرت بطانية وغطيت بها الجثث، حيث لم أرغب في إدخالهم إلى المنزل خوفاً من صراخ النساء مما سيؤدي إلى لفت النظر إلى منزلي مرة أخرى.